فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأما قوله: وإنما نطق به التنزيل لفائدة وهي كونه يبرد حرارة الخوف فيقال: بل لفوائد كثيرة أخر مشاهدة منها: إظهار العبودية والفاقة والحاجة إلى ما يرجوه من ربه ويستشرفه من إحسانه وأنه لا يستغني عن فضله وإحسانه طرفة عين ومنها: أنه سبحانه يحب من عباده أن يؤملوه ويرجوه ويسألوه من فضله لأنه الملك الحق الجواد أجود من سئل وأوسع من أعطى وأحب ما إلى الجواد: أن يرجى ويؤمل ويسأل وفي الحديث: من لم يسأل الله يغضب عليه والسائل راج وطالب فمن لم يرج الله يغضب عليه.
فهذه فائدة أخرى من فوائد الرجاء وهي التخلص به من غضب الله ومنها: أن الرجاء حاد يحدو به في سيره إلى الله ويطيب له المسير ويحثه عليه ويبعثه على ملازمته فلولا الرجاء لما سار أحد فإن الخوف وحده لا يحرك العبد وإنما يحركه الحب ويزعجه الخوف ويحدوه الرجاء.
ومنها: أن الرجاء يطرحه على عتبة المحبة ويلقيه في دهليزها فإنه كلما اشتد رجاؤه وحصل له ما يرجوه ازداد حبا لله تعالى وشكرا له ورضى به وعنه ومنها: أنه يبعثه على أعلى المقامات وهو مقام الشكر الذي هو خلاصة العبودية فإنه إذا حصل له مرجوه كان أدعى لشكره ومنها: أنه يوجب له المزيد من معرفة الله وأسمائه ومعانيها والتعلق بها فإن الراجي متعلق بأسمائه الحسنى متعبدبها وداع بها قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180] فلا ينبغي أن يعطل دعاؤه بأسمائه الحسنى التي هي أعظم ما يدعو بها الداعي فالقدح في مقام الرجاء تعطيل لعبودية هذه الأسماء وتعطيل للدعاء بها ومنها: أن المحبة لا تنفك عن الرجاء كما تقدم فكل واحد منهما يمد الآخر ويقويه.
ومنها: أن الخوف مستلزم للرجاء والرجاء مستلزم للخوف فكل راج خائف وكل خائف راج ولأجل هذا حسن وقوع الرجاء في موضع يحسن فيه وقوع الخوف قال الله تعالى: {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح: 13] قال كثير من المفسرين: المعنى مالكم لا تخافون لله عظمة قالوا: والرجاء بمعنى الخوف 2 والتحقيق: أنه ملازم له فكل راج خائف من فوات مرجوه والخوف بلا رجاء يأس وقنوط وقال تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ} [الجاثيه: 14] قالوا في تفسيرها: لا يخافون وقائع الله بهم كوقائعه بمن قبلهم من الأمم ومنها: أن العبد إذا تعلق قلبه برجاء ربه فأعطاه ما رجاه: كان ذلك ألطف موقعا وأحلى عند العبد وأبلغ من حصول ما لم يرجه وهذا أحد الأسباب والحكم في جعل المؤمنين بين الرجاء والخوف في هذه الدار فعلى قدر رجائهم وخوفهم يكون فرحهم في القيامة بحصول مرجوهم واندفاع مخوفهم.
ومنها: أن الله سبحانه وتعالى يريد من عبده تكميل مراتب عبوديته: من الذل والانكسار والتوكل والاستعانة والخوف والرجاء والصبر والشكر والرضى والإنابة وغيرها ولهذا قدر عليه الذنب وابتلاه به لتكمل مراتب عبوديته بالتوبة التي هي من أحب عبوديات عبده إليه فكذلك تكميلها بالرجاء والخوف.
ومنها: أن في الرجاء من الانتظار والترقب والتوقع لفضل الله ما يوجب تعلق القلب بذكره ودوام الالتفات إليه بملاحظة أسمائه وصفاته وتنقل القلب في رياضها الأنيقة وأخذه بنصيبه من كل اسم وصفة كما تقدم بيانه فإذا فني عن ذلك وعاب عنه فاته حظه ونصيبه من معاني هذه الأسماء والصفات إلى فوائد أخرى كثيرة يطالعها من أحسن تأمله وتفكره في استخراجها وبالله التوفيق.
والله يشكر لشيخ الإسلام سعيه ويعلي درجته ويجزيه أفضل جزائه ويجمع بيننا وبينه في محل كرامته فلو وجد مريده سعة وفسحة في ترك الاعتراض عليه واعتراض كلامه لما فعل كيف وقد نفعه الله بكلامه وجلس بين يديه مجلس التلميذ من أستاذه وهو أحد من كان على يديه فتحه يقظة ومناما وهذا غاية جهد المقل في هذا الموضع فمن كان عنده فضل علم فليجد به أو فليعذر ولا يبادر إلى الإنكار فكم بين الهدهد ونبي الله سليمان وهو يقول له: {أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} [النمل: 22] وليس شيخ الإسلام أعلم من نبي الله ولا المعترض.
فصل:
قال صاحب المنازل الرجاء على ثلاث درجات الدرجة الأولى:
رجاء يبعث العامل على الاجتهاد ويولد التلذذ بالخدمة ويوقظ الطباع للسماحة بترك المناهي أي ينشطه لبذل جهده لما يرجوه من ثواب ربه فإن من عرف قدر مطلوبه هان عليه ما يبذل فيه وأما توليده للتلذذ بالخدمة: فإنه كلما طالع قلبه ثمرتها وحسن عاقبتها التذ بها وهذا كحال من يرجو الأرباح العظيمة في سفره ويقاسي مشاق السفر لأجلها فكلما صورها لقلبه هانت عليه تلك المشاق والتذ بها وكذلك المحب الصادق الساعي في مراضي محبوبه الشاقة عليه كلما تأمل ثمرة رضاه عنه وقبوله سعيه وقربه منه: تلذذ بتلك المساعي وكلما قوى علم العبد بإفضاء ذلك السبب إلى عليه بأجهل من هدهد وبالله المستعان وهو أعلم.
فصل:
قال صاحب المنازل قدس الله روحه: الرجاء على ثلاث درجات:
الدرجة الأولى: رجاء يبعث العامل على الاجتهاد ويولد التلذذ بالخدمة ويوقظ الطباع للسماحة بترك المناهي أي ينشطه لبذل جهده لما يرجوه من ثواب ربه فإن من عرف قدر مطلوبه هان عليه ما يبذل فيه وأما توليده للتلذذ بالخدمة: فإنه كلما طالع قلبه ثمرتها وحسن عاقبتها التذ بها وهذا كحال من يرجو الأرباح العظيمة في سفره ويقاسي مشاق السفر لأجلها فكلما صورها لقلبه هانت عليه تلك المشاق والتذ بها وكذلك المحب الصادق الساعي في مراضي محبوبه الشاقة عليه كلما تأمل ثمرة رضاه عنه وقبوله سعيه وقربه منه: تلذذ بتلك المساعي وكلما قوى علم العبد بإفضاء ذلك السبب إلى المسبب المطلوب وقوي علمه بقدر المسبب وقرب السبب منه: ازداد التذاذا بتعاطيه وأما إيقاظ الطباع للسماحة بترك المناهي: فإن الطباع لها معلوم ورسوم تتقاضاها من العبد ولا تسمح له بتركها إلا بعوض هو أحب إليها من معلومها ورسومها وأجل عندها منه وأنفع لها فإذا قوي تعلق الرجاء بهذا العوض الأفضل الأشرف: سمحت الطباع بترك تلك الرسوم وذلك المعلوم فإن النفس لا تترك محبوبا إلا لمحبوب هو أحب إليها منه أو حذرا من مخوف هو أعظم مفسدة لها من حصول مصلحتها بذلك المحبوب وفي الحقيقة ففرارها من ذلك المخوف إيثار لضده المحبوب لها فما تركت محبوبا إلا لما هو أحب إليها منه فإن من قدم إليه طعام لذيذ يضره ويوجب له السقم فإنما يتركه محبة للعافية التي هي أحب إليه من ذلك الطعام.
قال: الدرجة الثانية: رجاء أرباب الرياضات: أن يبلغوا موقفا تصفو فيه همهم برفض الملذوذات ولزوم شروط العلم واستقصاء حدود الحمية أرباب الرياضات: هم المجاهدون لأنفسهم بترك مألوفاتها والاستبدال بها مألوفات هي خير منها وأكمل فرجاؤهم أن يبلغوا مقصودهم بصفاء الوقت والهمة من تعلقها بالملذوذات وتجريد الهم عن الالتفات إليها وبلزوم شروط العلم وهو الوقوف عند حدود الأحكام الدينية فإن رجاءهم متعلق بحصول ذلك لهم واستقصاء حدود الحمية والحمية العصمة والامتناع من تناول ما يخشى ضرره آجلا أو عاجلا وله حدود متى خرج العبد عنها انتقض عليه مطلوبه والوقوف على حدودها بلزوم شروط العلم والاستقصاء في تلك الحدود بأمرين: بذل الجهد في معرفتها علما وأخذ النفس بالوقوف عندها طلبا وقصدا.
قال: الدرجة الثالثة: رجاء أرباب القلوب وهو رجاء لقاء الخالق الباعث على الاشتياق المبغض المنغص للعيش المزهد في الخلق هذا الرجاء أفضل أنواع الرجاء وأعلاها قال الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110] وقال تعالى: {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ} [العنكبوت:] وهذا الرجاء هو محض الإيمان وزبدته وإليه شخصت أبصار المشتاقين ولذلك سلاهم الله تعالى بإتيان أجل لقائه وضرب لهم أجلا يسكن نفوسهم ويطمئنها والاشتياق هو سفر القلب في طلب محبوبه واختلف المحبون: هل يبقى عند لقاء المحبوب أم يزول على قولين فقالت طائفة: يزول لأنه إنما يكون مع الغيبة وهو سفر القلب إلى المحبوب فإذا انتهى السفر واجتمع بمحبوبه وضع عصا الاشتياق عن عاتقه وصار الاشتياق أنسا به ولذة بقربه وقالت طائفة: بل يزيد ولا يزول باللقاء قالوا: لأن الحب يقوى بمشاهدة جمال المحبوب أضعاف ما كان حال غيبته وإنما يواري سلطانه فناؤه ودهشته بمعاينة محبوبه حتى إذا توارى عنه ظهر سلطان شوقه إليه ولهذا قيل:
وأعظم ما يكون الشوق يوما ** إذا دنت الخيام من الخيام

وقد ذكرنا هذه المسألة مستقصاة وتوابعها في كتابنا الكبير في المحبة وفي كتاب سفر الهجرتين وسنعود إليها إذا انتهينا إلى منزلتها إن شاء الله تعالى.
وقوله: المنغص للعيش فلا ريب أن عيش المشتاق منغص حتى يلقى محبوبه فهناك تقر عينه ويزول عن عيشه تنغيصه وكذلك يزهد في الخلق غاية التزهيد لأن صاحبه طالب للأنس بالله والقرب منه فهو أزهد شيء في الخلق إلا من أعانه على هذا المطلوب منهم وأوصله إليه فهو أحب خلق الله إليه ولا يأنس من الخلق بغيره ولا يسكن إلى سواه فعليك بطلب هذا الرفيق جهدك فإن لم تظفر به فاتخذ الله صاحبا ودع الناس كلهم جانبا:
مت بداء الهوى وإلا فخاطر ** واطرق الحي والعيون نواظر

لا تخف وحشة الطريق إذا جئ ** ت وكن في خفارة الحب سائر

واصبر النفس ساعة عن سواهم ** فإذا لم تجب لصبر فصابر

وصم اليوم واجعل الفطر يوما ** فيه تلقى الحبيب بالبشر شاكر

وافطم النفس عن سواه فكل ال ** عيش بعد الفطام نحوك صائر

وتأمل سريرة القلب واستح ** ي من الله يوم تبلى السرائر

واجعل الهم واحدا يكفك الل ** ـه هموما شتى فربك قادر

وانتظر يوم دعوة الخلق إلى الل ** ـه ربهم من بطون المقابر

واستمع ما الذي به أنت تدعي ** به من صفات تلوح وسط المحاضر

وسمات تبدو على أوجه الخل ** ق عيانا تجلى على كل ناظر

يا أخا اللب إنما السير عزم ** ثم صبر مؤيد بالبصائر

يالها من ثلاثة من ينلها ** يرق يوم المزيد فوق المنابر

فاجتهد في الذي يقال لك ال ** بشرى بذا يوم ضرب البشائر

عمل خالص بميزان وحي ** مع سر هناك في القلب حاضر

اهـ.

.قال التستري:

قوله تعالى: {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} [57] قال: رحمته جنته في الظاهر وفي الباطن حقيقة المعروف.
ثم قال: إن الخوف والرجاء زمان للإنسان فإذا استوى قامت له أحواله، وإذا رجح أحدهما بطل الآخر، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لو وزن رجاء المؤمن وخوفه لاعتدلا». اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56)}.
أخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة والبخاري والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل، عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله: {قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلًا} قال: كان نفر من الإنس يعبدون نفرًا من الجن، فأسلم النفر من الجن، وتمسك الإنسيون بعبادتهم، فأنزل الله {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة} كلاهما بالياء.
وأخرج ابن جرير وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي معًا في الدلائل، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: نزلت هذه الآية في نفر من العرب كانوا يعبدون نفرًا من الجن، فأسلم الجنيون، والنفر من العرب لا يشعرون بذلك.
وأخرج ابن جرير، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كانت قبائل من العرب يعبدون صنفًا من الملائكة يقال لهم الجن، ويقولون هم بنات الله، فأنزل الله {أولئك الذين يدعون} الآية.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه، عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية. قال: كان أهل الشرك يعبدون الملائكة والمسيح وعزيرًا.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {فلا يملكون كشف الضر عنكم} قال: عيسى وأمه وعزير.
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {أولئك الذين يدعون} قال: هم عيسى وعزير والشمس والقمر.
وأخرج الترمذي وابن مردويه واللفظ له، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سلوا الله لي الوسيلة» قالوا: وما الوسيلة؟ قال: «القرب من الله» ثم قرأ {يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب}.
{وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (58)}.
أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة} قال: مبيدوها أو معذبوها. قال: بالقتل والبلاء كل قرية في الأرض سيصيبها بعض هذا.
وأخرج ابن جرير من طريق سماك بن حرب، عن عبد الرحمن بن عبد الله رضي الله عنه قال: إذا ظهر الزنا، والربا في قرية، أذن الله في هلاكها.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن إبراهيم التيمي في قوله: {كان ذلك في كتاب مسطورًا} قال: في اللوح المحفوظ. اهـ.